1- إن الله قرن حقهما بحقه، قال تعالى: "وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا". الإسراء - 23، وقال تعالى: "أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ". لقمان- 14.
2- إن الله أمر بصحبتهما والإحسان إليهما ولو كانا كافرين، قال تعالى: "وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا". لقمان- 15، وفي صحيح مسلم عن أسماء بنت أبي بكر الصديق قالت: قدمت عليّ أمي وهي مشركة في عهد رسول الله فاستفتيت رسول الله، قلت: قدمت عليّ أمي وهي راغبة - أي طامعة فيما عندي - أفأصل أمي؟: قال: نعم صلي أمك". متفق عليه.
3- برهما من الجهاد، عن عبد الله بن عمرو قال: جاء رجل إلى رسول الله فاستأذنه في الجهاد، فقال: أحيّ والداك؟ قال: نعم، قال: ففيهما فجاهد". متفق عليه، وعن أنس قال: أتى رجل النبي فقال: إني أشتهي الجهاد ولا أقدر عليه قال: "هل بقي من والديك أحد؟ قال: أمي، قال: فأبل الله من برّهما، فإذا فعلت ذلك فأنت حاج ومعتمر ومجاهد". رواه أبو يعلى والطبراني، ومعنى: فأبل الله في برّها أي: أحسن فيما بينك وبين الله يبرك إياها. وفي بعض الأحاديث قدّم برّهما على الجهاد، ففي حديث ابن مسعود قال: قلت: يا رسول الله، أي العمل أفضل؟ قال: الصلاة على وقتها قلت: ثم أي؟ قال: برّ الوالدين؟ قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله". متفق عليه.
4- طاعتهما من موجبات الجنة، عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله يقول: "رغم أنفه، رغم أنف، رغم أنفه ، قيل: من يا رسول الله؟ قال: من أدرك والديه عند الكبر، أحدهما أو كلاهما ثم لم يدخل الجنة". رواه مسلم، وعن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله يقول: "الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه". رواه الترمذي، قال القشيري: أوسط أبواب الجنة، أي: خير أبوابه. وعن معاوية بن جاهمة أن جاهمة جاء إلى رسول الله فقال: أردت الغزو وجئت أستشيرك؟ فقال: هل لك من أم؟ قال: نعم، فقال: فالزمها فإن الجنة عند رجليها". رواه أحمد، ورواه الطبراني بلفظ: ألك والدان؟ قلت: نعم، قال: الزمهما فإن الجنة تحت أرجلهما".
5- رضى الله في رضى الوالدين، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله قال: "رضى الله في رضى الوالد، وسخط الله في سخط الوالد". رواه الترمذي، ورواه الطبراني بلفظ: "رضى الرب في رضى الوالدين وسخطه في سخطهما".
6- برهما سبب مغفرة الذنوب، عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني أصبت ذنباً عظيماً فهل لي من توبة؟ فقال: هل لك من أم؟ قال: لا، قال: فهل لك من خالة؟ قال نعم، قال: فبرّها". رواه الترمذي، وعن مالك بن عمرو قال: قال رسول الله: "من أعتق رقبة مسلمة فهي فداؤه من النار، ومن أدرك أحد والديه ثم لم يغفر له فأبعده الله وأسحقه". رواه أحمد.
7- برّهما سبب في تفريج الكربات، ويدل على ذلك قصة الثلاثة الذين انطبقت الصخرة على فم الغار الذي هم فيه فتوسلوا إلى الله بصالح عملهم، فتوسل أحدهم ببره بوالديه والثاني بكمال العفّة والثالث بتمام الأمانة ففرّج الله كربتهم بزوال الصخرة عن فم الغار، والقصة في الصحيحين.
8- برهما سبب في سعة الرزق وطول العمر وحسن الخاتمة، عن أنس قال، قال رسول الله: "من أحبّ أن يبسط الله في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه". متفق عليه، وعن علي قال: قال رسول الله: "من سره أن يمد له في عمره، ويوسع له في رزقه، ويدفع عنه ميتة السوء فليتق الله وليصل رحمه". رواه عبدالله بن أحمد. وبرّ الوالدين أعلى صلة الرحم؛ لأنهم أقرب الناس إليك رحماً.
9- دعوة الوالد على الولد مستجابة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: "ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة الوالد على ولده، ودعوة المسافر، ودعوة المظلوم". رواه أحمد.
10- الولد وماله لأبيه، عن جابر، أن رجلاً قال: يا رسول الله، إن لي مالاً وولداً، وإن أبي يريد أن يجتاح مالي، فقال: أنت ومالك لأبيك". رواه ابن ماجه. وله شاهد من حديث عبد الله ابن عمرو، ولفظه: "أنت ومالك لأبيك، إن أولادكم من أطيب كسبكم فكلوا من كسب أولادكم". رواه أبو داود وابن ماجه.
11- عن أبي هريرة قال، قال رسول الله: "لا يجزي ولد والداً إلا أن يجده مملوكاً فيشتريه فيعتقه". أخرجه مسلم.
12- أن عقوقهما من أكبر الكبائر، عن أبي بكرة قال: قال رسول الله: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثاً، قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين، وكان متكئاً فجلس فقال: ألا وقول الزور وشهادة الزور، فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت. متفق عليه.
13- أن العاق ممن لا ينظر الله إليه يوم القيامة ولا يدخل الجنة، عن جبير بن مطعم قال: قال رسول الله: "لا يدخل الجنة قاطع رحم". متفق عليه، والوالدان أقرب الأرحام، وعن ابن عمر مرفوعاً: "ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، ومدمن الخمر، والمنان عطاءه، وثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه، والديّوث والرّجلة". رواه النسائي، والديّوث الذي يقرّ على أهله الزنا. والرّجلة هي المترجلة المتشبهة بالرجال.
14- أن العاق تعجّل له العقوبة في الدنيا، عن أنس قال، قال رسول الله: "بابان معجلان عقوبتهما في الدنيا: البغي والعقوق". رواه الحاكم. وعن أبي بكرة مرفوعاً قال: "ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصحابه العقوبة في الدنيا مع ما يدخره له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم". رواه الترمذي، وبوّب عليه البخاري في كتاب الأدب المفرد: باب عقوبة عقوق الوالدين، وعقوق الوالدين أعظم القطيعة للرحم.
وقبل أن أودّعك أيها القارئ الكريم وبعد أن تبيّن لك عظيم حق الوالدين وشناعة عقوقهما وخطر التقصير في حقهما أدعوك إلى المسارعة إلى برّهما وتحللهما من التقصير فيما سلف، وجدّ واجتهد في صلتهما، وادخال السرور عليهما، والسعي في رضاهما، وتقديم محابّهما على ما تحبه نفسك وتهواه، والمسارعة في تحقيق مطالبهما، والحذر من مضايقتهما وأذيتهما قولاً أو فعلاً، وخفض الجناح لهما، والدعاء لهما؛ امتثالاً لقول الباري سبحانه: "وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا". الإسراء- 24.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.