الحب.. وحلاوة الإيمان
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّهُ إِلا لله، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ) (رواه البخاري ومسلم)، فحلاوة الإيمان مبنية على المحبة، وبدون المحبة لا يكون للإيمان حلاوة، ولا تُذاق ولا تُوجد في القلب إلا بذاك؛ لأن المسائل الثلاث المذكورة كلها مبنية على المحبة؛ فحب الله هو حب العبادة، وحب الرسول -صلى الله عليه وسلم- حب عبادة لله؛ لأنه حب في الله، فهم يحبون الرسول -صلى الله عليه وسلم- أكثر من كل أحد من المخلوقين؛ لأن الله يحب النبي -صلى الله عليه وسلم- أعظم من كل أحد، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَلَكِنْ صَاحِبُكُمْ خَلِيلُ الله) (رواه مسلم)، وقال إبراهيم –عليه السلام-: (إِنَّمَا كُنْتُ خَلِيلاً مِنْ وَرَاءَ وَرَاءَ) (رواه مسلم)، وكذا أن يحب المرء لا يحبه إلا لله.
وجَعَل حبَّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- مقترنًا بحب الله -عز وجل- مع أنه ليس من جنس حب الله ـ إذ هو ليس عبادة للرسول -صلى الله عليه وسلم-، ولم يجعله مقترنًا بحب المرء لا يحبه إلا لله؛ لأجل بيان منزلة النبي -صلى الله عليه وسلم، وكذلك لبيان أنه لا يُقبل حب الله ـ إن زعمه زاعم ـ بدون حب النبي -صلى الله عليه وسلم-، أما سائر الخلق فيمكن أن يقع منه خلاف ذلك، كأن يقع بين شخصين مؤمنين بغضاء لأجل شحناء بينهما، لكن لو كره النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد خرج من الملة؛ لأنه لابد أن يحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مقدِّمًا له على كل من سواه؛ لأن حبَّه شرطٌ في قبول حب الله -عز وجل-، ولا يصح حبُّ الله -سبحانه وتعالى- بدون حب النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لمنزلته العظيمة، ولأنه أساس طاعته -صلى الله عليه وسلم-.
وقوله -صلى الله عليه وسلم-: (أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا)، أي: من الآباء، والأبناء، والأزواج، والعشيرة، والأموال، والوطن، ومن كل شيء، فلا بد أن يكون حبه -صلى الله عليه وسلم- أعظم من حب كل المخلوقين، وأما حب الله فهو وحده حب العبادة، حب مع ذل، وحب النبي -صلى الله عليه وسلم- وطاعته ذلٌّ وحبٌّ لله -عز وجل- وعبودية له -سبحانه وتعالى-، وليس عبودية للرسول -صلى الله عليه وسلم-، وهذا أمر ينبغي أن يُتفطن له: أن حبه -صلى الله عليه وسلم- ليس بعبادة له؛ لأنه ليس مع ذلٍّ له، وإنما مع ذلٍّ لله -عز وجل-.
وحب المؤمنين تابع لذلك: (وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّهُ إِلا لله) وذلك لأنه يطيع الله ويحبه، وقد أمر الله -عز وجل- بالحب فيه، وهذه الرابطة الإيمانية العظيمة التي تزول معها كل مشقة وتعب، وبدون الحب في الله تقسو الحياة، ويقسو قلب الإنسان، وتقسو عليه كل العقبات، وتشتد عليه، ولذلك تزيل الأخوة في الله -عز وجل- البأس والحزن، وحب الله -عز وجل- يزيل كل هم وضيق في هذه الدنيا، وحب النبي -صلى الله عليه وسلم- يفتح للقلب ـ كذلك ـ أنواع الخيرات مع اتباعه -صلى الله عليه وسلم-.
ولا شك أن هناك فرق بين حبه -صلى الله عليه وسلم- واتباعه؛ لأن اتباعه فرع على محبته -صلى الله عليه وسلم-، فليس كل متبع محبًّا، فالحب هو الحب لا يُفسَّر بغير ذلك، وهو أمر يوجد ويُذاق، وقد تجد من يتبع الهدي الظاهر ونحو ذلك ولكنه لا يكون محبًّا.
وقوله -صلى الله عليه وسلم-: (وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ)، فكراهية الكفر بعد ذلك من كمال محبة الله -عز وجل-؛ حيث لا يطيق الإنسان الكفر، ولا من يكفر، حتى يكون متألمًا من الكفر، فلو خُيِّر بين أن يُلقى في النار وبين أن يكفر؛ لكان أن يُلقى في النار أحب إليه من أن يكفر.
وللحديث عن الحب بقية، نسأل الله أن يرزقنا حبَّه وحبَّ من يحبه، وحبَّ من يقربنا إلى حبه